السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله الشويخ يتعقّب «حكايا المسيار»
أصدرت «الدار العربية للعلوم ناشرون» في بيروت، أخيراً، كتاباً بعنوان «حكايا المسيار» للكاتب والإعلامي الإماراتي عبدالله عادل الشويخ، يقع في 301 صفحة من الحجم المتوسط، تناول 295 حكاية أو قصة.
ورصد الشويخ في هذا الكتاب مجموعة من «حكايا المسيار»، قال إنه اطلع عليها من خلال مجموعة من الأصدقاء «وزراء وخفراء، ومديري دوائر، ورجال أعمال، وأصحاب سوابق، ومتدينين ومهرطقين، ومتزوجين وعازبين، واستأمنوه على أسرارهم واطّلع على تجاربهم. إلا أنه قرر فضحهم جميعاً وسرد كل ما حصل معهم من مغامرات بين دفتي كتابه «حكايا المسيار» وبأسلوب قصصي ممتع، توزع بين طريقة كتابة القصاصات الورقية وأسلوب القص المعتاد».
وأضفى الشويخ عليها من روحه الساخرة وطريقته الممتعة في الرصد والتحليل بالإيماءة والإشارة والإيحاء، وبذكاء يدعو إلى طرح أسئلة افتراضية تناقش المعلن والمخفي في حياة الإنسان العربي في ثوب ساخر يشي من الوهلة الأولى بأن الأمر ليس مجرد قصص من واقع الحياة، ولكنه واقع معيش ينسحب على كل شيء ابتداءً من طريقة تعاطي المدير مع مرؤوسيه إلى مكبوت السياسات العامة، وانتهاءً بالعلاقة الزوجية والأطفال والمقربين.
عبدالله عادل الشويخ في هذا الكتاب ليس مؤرخاً أو قاصاً، كما قد يبدو من أول وهلة، بل هو صحافي يلتقط ويسجل ويحلل ويناقش، مقراً بأن المشكلة عامة ومنبهاً القارئ في تنويه لم يخلو من براعة إلى أنه «في الإمارات العربية الحبيبة، وبسبب تقاليد ومنظومة اجتماعية متوارثة تتمحور معظم الأسماء في إطار معين، «60٪ من الإماراتيين يحملون اسم محمد، و30٪ هم عبدالله، أما الـ10٪ الباقية فتتوزع ما بين سلطان وراشد وسيف، وقد يتبعها القليل من علي وحميد وخليفة.. لذا فقد تطلب زوجة علي الطلاق بسبب قضية حميد، وقد يفقد حميد وظيفته بسبب قصة خليفة، وسيحاول خليفة أن يحلف للجميع بأن المقصود هو علي، ولكن النتيجة أن أحداً منهم ليس بريئاً». وعلى الرغم من تأكيد الكاتب أن التشابه الحاصل في الأسماء سببه تداخلها وتشابهها، فإن المتأمل في ما وراء السطور سيجد أن الكاتب يطرح منذ اللحظة الأولى مشكلة خطيرة ومحورية اطلع القارئ دون مواربة راجياً منه أن ينتبه إلى أن الأمر ليس رحلة مشوّقة للتسلية تريح المرء ولو لحظة من إكراهات الحياة المعاصرة، خصوصاً حياة الإنسان العربي الذي تتضاعف همومه بأساليب شتى من البيت إلى الدائرة إلى البحث عن لقمة العيش وفشل السياسات الإنمائية.
لكل حكاية من حكايات الشويخ بطلها، ولكنها تنتظم تحت خط واحد مهوس بعالم زواج المسيار، المهيمن على عقول الرجال من مختلف الأعمار، ما جعلهم يقضون خيرة أيام شبابهم مشغولين بـ«هوى الأسمر». فتنقّل الكاتب بين السعودية والبوسنة والمغرب ودمشق وبلدان أخرى تحدث عن عاداتها وتقاليدها ومظاهرها العامة رفقة «المتميسرين»، وعبر شخصيات من اليمين إلى اليسار والمتشددين والمنفلتين والمحافظين. كأنما أراد من وراء طرح موضوع زواج المسيار إبراز إشكالية المخارج الشرعية، كما انفلت المسيار بمخرج شرعي من قبضة تعريف الزواج الذي هو «عقد على وجه الاستمرارية»، فما المانع من أن الأمر ينسحب على كل شيء في حياتنا، كاشفاً للقارئ عن سجية مخيفة همها البحث عن المخرج وليس التورع أصلاً. الشويخ في هذا الكتاب يستصرخ الضمير العربي في كينونته الذاتية طالباً منه العودة إلى الحرية المسؤولة، مشبهاً الالتفاف على بعض الشروط المتعلقة بالزواج بنظيرتها في إدارة الأموال العامة والسياسات العامة والخاصة، على أن الشويخ في خطوة رائعة يشرك الجميع هذه المرة في المسؤولية عن الأوضاع التي وصلنا إليها، داعياً القارئ عبر رحلة ممتعة إلى اكتشاف الخلل والبحث عن الحل.